الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

عذراء ومتسول

(بلادي )
جنةٌ هي
فردوسٌ غالٍ
عصافيرٌ تزقزق
طيورٌ تحجل باطمئنان
فلاحٌ يمسك فأسه
وراعٍ يرعى غنمه
صبيٌ يمسك مزماره
ومختارٌ يجلس في ديوانه
وحبة مشمش تنضج ببطء
أسمع صوت الألحان
في المدن كما الريف
ريفية تحصد القمح
ومدنيَّة تنسج لابنتها الفستان
جنةٌ هي بلادي
ريحٌ صاحَب الطير
وطيرٌ صاحَب الخير
وخيرٌ صاحَب الشر
كلٌ صاحَب بلادي
كخيوط الفستان
متقابلة مجتمعة
ولولا تضاد ما بان معنى
تلك بلادي
سنابل القمح تتمايل ..
تمايل راقصات على ألحان مطرب
كسرة خبز معجونة بعرق فلاح
شاربٌ رزين يداعبه مقص حلاق
بابٌ خشبي قد أهلك السوس مفاصله
وحائطٌ عريض أنهى عليه طيَّان
جنةٌ هي بلادي
تمشي بين حقول البرتقال
وآهٍ من رائحة البرتقال
تداعب بيديك حبات الزيتون
تعصرها ويملأ يديك زيتها
تمتع ناظريك بألوان الحنُّون
وقد جذب الفراشات لونه
جنةٌ هي بلادي
جنةٌ هي الأوطان

***


(عذراء)
كانوا ثلاثة
راعِ البقر
في يده حبل
وفي يده الأخرى لفافة تبغ
ورجلٌ إنجليزي
في يدهِ محبرته
وفي يدهِ الأخرى دستور الشرف !!
وثالثهم كان متسول
قد جمع ملابسه الرثة من كل الأقطار
وعلى صدره نجمة داوود
جاءوا إلى عذراء قوقازية بنت كنعان
عربية والكحل أسود في عينيها
تجلس بالقرب من عين ماء
تملأ الجرة لأخواتها
وبدأ المتسول
ورمى بغلَّتِهِ في أيدي الاثنين الآخرين
فقام الراعي وهو يمسك حباله
يشد وثاق تلك العذراء
وينفخ الدخان في وجهها
وجاء الإنجليزي
وبحبره الجاهل
قد كتب وعداً للمتسول
وأسقط عذريتها
من دستور الشرف خاصته
وكتب على جبينها
ثمانية وأربعين!
كان ذلك يوم اغتصابها
واليوم ما زال ذلك المتسول
يتلذذ بشهي خيراتها
وقد أزال الكحل من عينيها
وصبغ بسواده وشاحاً لها
وضعه على رأسها
وألبسها نجمة داوود
وكتب عليها أيضاً ..
.. ثمانية وأربعين

***


(تقع العذراء)
تقع العذراء ..
في أحضان المتسول
ليست رغبةً منها
ولكنه حكم الأعادي
تقع العذراء ..
ومن حولها الدم
قالوا إنه دم نجس !
وهو من الطيب أطهر
متسولٌ أزهق روحها
وأختها تذوقت دمها
فكلٌ اليوم له نصيب ..
ملقاةً بجانب عين الماء جثة
شجَّ البطن ..
انتُهك العِرض ..
والثوب قد مزقته أيادٍ نجسة
وأزراره قُطعت حبالها ..
والشرف المصون ضاعت هيبته ..
والجثة مازالت ملقاة!
قطعوا أصابعها أرباعاً وأخماساً وأسداساً
كلٌ أخذ نصيبه
أعدَّ فطيره المقدس
متسولٌ يباركه بأحرف التوراة
وراعٍ باركه بسطور الإنجيل
وعربي يصب لهم النفط خمراً
وحقيرٌ أعد من جماجم البراءة خبزاً
وآخر صنع لهم من الذهب كؤوساً
على الطاولة الرباعية
أطباق أربعة
لحية شيخ من القدس
ودم نصارى من القدس
وابتسامة طفل من القدس
وسجادة صلاة ..
على الطاولة
أحضروا الطبق الكبير
به العذراء ملتفة .. بنجمة داوود
كرسي لراعِ البقر
كرسي لإنجليزي
كرسي لمتسول
وكرسي رابع لأختها !!
كرسي لعربي ذاق دم العذراء فأحبه
ذاق طعم النفط فأحبه
ذاق مسحوق جماجم الأطفال فأحبه
وقعت العذراء ..
وكلٌ له نصيب !!

***


(وللحفل بقية )
انتهى الحفل
والتُهمت جثتها
أخذ كلٌ منهم نصيبه
من أجزاء إصبعها
ولملم طرف ثوبه قاتلها
ينظر كل منهم إلى أختها
وقد احتفظت ببقايا إصبعها
تبدو شاردة الذهن
في عينها دمعة
تحرق بكل غضب أوراق الندم
لا يشغل فكرها
سوى صورتين لمجدها
صورة لاجئٍ معلقة على حائط
في غرفة من فندق إيطالي
بجوارها ملابس تحتية
لساقطة من أصل فرنسي
ونبيذ من بلادها، عتيق
وبطاقة من بنك سويسري
تلك صورة
وصورة لرغيف خبز
ينظر إليها لاجئ
وبجوارها جثة أخيه
قد مات جوعاً
والغرفة مغلقة عليه
ومفتاحها ..
بين نهدي الساقطة الفرنسية
أودعها إياه أخاه العربي
تلك العروبة
تراثٌ قديم .. رث
ما من أحد يرضى بضعفه
ولكن تقام الاحتفالات على شرفه
سقطت تلك الدمعة
على إصبع العذراء
وبمرارتها دنسته
سقطت عليه برقة
وكأنها تُرضي غضبه
ومن حولها ثلاثة
راعٍ وانجليزي ومتسول
يرقبونها
ويعد الراعي حباله
والانجليزي يعد دستور الشرف ومحبرته
والمتسول قد أمطرهم بغلّته
ومازال ماء العين يجري ..

***


(وللثأر عودة)
شابٌ أسمرْ
أمهُ عذراءْ
وأبوهُ كنعانْ
عيناهُ غائرتان
لا دمع فيهما
فقد ملَّ البكاء
لا ابتسامة على وجهه
فقد ملَّ الابتسام أيضاً
ولكنه .. غضبٌ يعتريه
ولكنه .. حجرٌ يحمله
رصاصةٌ يضمها في يده
لربما يحتاجها في غده
وخارطة للوطن مرسومةٌ على جسده
فالقطاع على يده
والضفة في عينه
والقدس ويا لجمالها
فهي في وسط صدره
مختومةٌ على قلبه
على جبينه شارة النصر
ووشاحٌ أسود
وعلى ظهره "الستُون" بارزةً
في يده اليمنى بندقية الثائر بندقيته
و يده اليسرى قد وقع منها غصن زيتون
ليمسك بها كل بني صهيون
وهم بين أظفاره يستصرخون
فقال لهم : أما جئتكم يوماً
غصن الزيتون في يدي حاملاً
وبندقية الثائر في يدي الأخرى
أما رجوتكم ألا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي
لم أعد بحاجة إليه!!
ولتلعنكم شياطين الجن كما شياطين إنس
أيها اليهودي القزم
أيها الصهيوني النجس
تبكي على أبواب المحرقة
تذبح ما تشاء من خراف المسيح
وفي النهاية تمسك طرف الثوب ترجياً
تطلب مني صفحاً
والله لا أزيدكن إلا صفعاً ..
والله لا أزيدكن إلا صفعاً ..

***

هناك 9 تعليقات:

  1. فلسطين وستون جرحا ينهش جسد الطهر ... يقص جناح السنونو الباحث في أرضه عن قوت التهتمه القذائف...

    فلسطين والشعب يعتلي منصة الألم ... والمباركون كثر ... والمصفقون كثر ... والمتفرجون عالم من حجر

    فلسطين والرصاصة الاخت كيف كيف تدمن صدر الاخوة...

    يابلد المعاناة التي تزول وشعب العروبة الاول

    أورث اولئك المارين شوكا ...كي يعلموا ان الأرض ليست لهم... وأنها لأجلكم تنبث كل يوم زعترا وزيتون


    صالح
    بين أناملك يزهر موت اولئك

    والله لا أزيدكن إلا صفعاً ..
    والله لا أزيدكن إلا صفعاً ..


    رائع ما قرأتُ

    دام هذا الألق

    ردحذف
  2. ..

    صورك وضعتنا في ردهات الحقيقة
    وزادت الوجع وجع

    صفعتنا بالواقع المرير فعلاً


    دمت يا صديق أنتَ

    ردحذف
  3. /


    الوصف الأكثر ألماً و الأكثر جمالاً
    تناقض .. هكذا تظهر الأشياء :)
    في صدرك .. كما قلي _قلب طاهر ـ ينبض داخله واطن ..

    * صالح قرأت لكَ أشياءً كثيرة جميلة .. لكن اجمل من تلكْ لمْ أقرأ ..
    (f)

    ردحذف
  4. فلسطين والرصاصة الاخت كيف كيف تدمن صدر الاخوة...

    تلك الرصاصة التي تقتلنا

    لم يستطع بنو صهيون قتلنا يوما برصاصاتهم
    غير أن " الر صاصة الأخت " باتت تخترق صدورنا .. تشجها، وتقتلع ذكريات الماضي الجميل كل يوم وبنفس اليد

    عزيزتي خديجة ..
    سعدت جدا بوجودك الألق هنا
    فلا تطيلي غيابك ..

    ردحذف
  5. لم يغب عنا الواقع
    ولكننا بتنا بعيدين جدا عن ماضينا
    بُعد أيدي الأخوة عن بعضها
    والوطن هو " كبش الفداء "
    ألا أيها السخيفون !!
    كفاكم
    يقولها الوطن
    ويكفكف دمعه!


    محمود ..

    كما دوما ، تُعجبني يا فتى !
    كن بخير

    ردحذف
  6. من الصعب أن تبعث الحياة من جديد في ذكريات حبٍ قديم، وأن تذكره بكل تفاصيله التي كانت جميلة
    تتذكرها ولكن جمالها يكون قد أصبح أكثر ألماً
    وكلما زاد جمالها زاد ألم ذكراها

    وكم كان من الصعب وصف بلادٍ بعيدة بعيدة
    بعيدة حتى عن الأحلام والتمنى
    تعصر القلب ألماً .. حزناً
    وتحيي فيه غضب مستعر
    على من أضاع تلك البلاد .. حتى من أحلامنا

    ولكن حتى وإن كانت مؤلمة ..
    بل ولأنها مؤلمة ، باتت تحيينا
    تبقينا يقظين دوماً !!


    صديقتي إسلام ..
    أسعد دوما بوجودك هنا
    وبيعبيرك الأخّاذ
    فلا تحرميني طلّتكِ
    كوني بخير

    ردحذف
  7. قلبي..
    إنبض وانظق ..
    .....لاتسكـت طلبتك ..
    ......محتـآجتك بهـآلوقت حييييييـل ..
    .......... إثبت لـ محبوبك قدرهـ عندك بـ قوة ضربـآتك ..
    ...........وترحيبك فيـه بـ ضخـآتك ..
    ..............يـآقلبي ..
    ...طلبتك دق .. وإنبض .. ولا تسكت ..

    ردحذف
  8. وتقطــــعـ كل امـــل ,, بالفــرح او النسيآآن..

    سآآبقى اذرفـ دمعآتيـ,,,

    وسآمكــُث بصمــت .. يجرح كــل احســآآآسي

    ردحذف
  9. على أرضٍ تدنس كل يوم ،،
    وتحت سماء تجوبها طائراتهم ،،
    وفي ضفتين ترفض كلاً منهما أن تبدأ بالسلام ،،

    على هذه الارض ..
    لا نسيان
    ربما فرح لكن بلا نسيان

    لنمحو ذاكرتنا نحتاج إلى ذاكرة جديدة
    ولا أعلم أن هذا "المنتج" موجود داخل فلسطين
    لا نسيان .. لا فرح
    فنحن هنا
    في فلسطين


    جارة القمر ..
    لكم سعدتُ بوجودك هنا
    ولكم سوف أسعدُ بعودتك
    فلا تطيلي الغياب

    ردحذف

وللآخرين بوح !!